تخطى إلى المحتوى

سَمَاء الفطر

لربما بعضكم يعلم برغبتي الجامحة في الكتابة، ولعلّني أكتب اليوم بسببكم أنتم، بسبب وجودكم الممتنّة لأجله حولي. فأنا تناسيت أنّي أقرب لنفسي عندما أكتبني، لأنّي ألتقيني مرّة أخرى، وماأجمل اللقاء وأبهاه. مدونتي التي لم تتركني لليوم، ولا حتّى زوّراها ولا جمَال زواياها وذكرياتها. وما جعلني أزورني هنا هوَ العتمَة التي غمرتنا أجمعين، فأنا في أمس الحاجة أن أراني من الداخل بحروفي هنا، فالمرايا لم تعد تريني شيئًا يشبهني.

ولأنّي بحثت كثيرًا عن النور، حقق الله ذلك بذاكرتي الصغيرة مع جدّي.

كنت في شُرفة جدّي نقرأ ونتحدّث عن ما يرغب أن أتحدّث عنه وعن ما لا يرغبه. كان بعمر الثامنة والتسعين، في أتمّ صحته وقوّته حتّى أنّي كنت أظن أنّه من الطبيعي جدًا أن يقترب الشخص من المئةَ سنة وهوَ يسابق ويجري، ويسقي الزرع ويهذّبه، ويؤذن ويأم الناس، يقطع المسافات والمدن ليطمئن على أبناءه وأحفاده. كان شابًا في جسدٍ وروحٍ شابّةٍ أيضًا، لم يكن عمره إلاّ رقمًا لم يصدِقه الناس عندما توفي في العام الثاني بعد المئة. ذلك اليوم هوَ اليوم الذي بدأت أقلامي ترتجف فيه على كل الأوراق التي أجدها أمامي، حاولت أن أجدَهُ وأستجديه، أن أُناديه، لكنّي ضعت، ولم أجدني ولم أجد ذكرياتي معه موثّقه لا في صورَة ولا في كلِمة. كأنّه وضع ممْحَاة في ذَاكرتي. حاربتها تِلك الممْحاة ولكنّها مسَحتني وذَاكرتي معًا.

وبعد قُرابة الخمْسَة عشر سنَة وعلى مرّ السنوات الأخيرة، تتوقف الممْحاة وتعود لي بهذَا الحلم الأسطوري الذي غمَرني سلامًا وسكينة.

“جدّي، حلمتُ أنّ السمَاء من الفطر السحري الأحمر*، داخل مكعبات وكل مكعب يتحرك. والسمَاء في شدّة زرقتها، والفطر في شدّة الحمرَة”، نظر في عيني بعدها بكُل عمق وخشوع وحُب، أذكر كلماته و تفسيره الذي طار بي لسمَاء الفطر، أذكر دهشته وكأنّي قلت له علمًا أو خبرًا يصدّق فيشكر ويثنَى عليه.

“ماذا يا جدّي!! ماذا يعني؟”

ابتسم، ولم يقل شيئًا، وظللت أسئله حتّى قال: ستفعليها يا ابنتي، ستكوني شيئًا فريدًا بينهم، ستفعليها.

أنا وفي غمرَة إختبارتي حينها، كنت أحلّق فرحًا. نعم، نعم سأفعلها ياجدّي. لم أكن وقتها ولا حتّى اليوم أعتقد بتفاسير الأحلام، لكنّي كنت أعتقد ببلاغة جدّي وفطنته، بجمَال منطقه وحُسن مذهبه.

ويومًا ما عندما غطّى الثلج مدينتي، والدموع عيني، وعتّمت سمائي أغلقت عيني لتمتليء بزرقة سمَاء الفطر تلك، أجدك تقطفها لأجلي، تلوّح لي وتقولها مجددًا، ستفعليها يابشرى، ستفعليها، تلوّح لي حتّى أنام. أستقيظ في اليوم التالي وسمَائي تفتقدك وتكتبك. هذا الحلم الذي أهداه لي ربّ السماء والفطر وغلّفته ياجدّي بكل مايعنيه الحب الإنساني بتفسيرك أكتبه الليلة هُنا لأنّ السماء تبدو رماديّة ياجدّي على كُل من فوق الأرض، ولكنّ سمَاء الفطر السحري أشعّت نورًا من هذَا الرماد. أوّدُ أن تلوّح لهم معي ياجدّي من لازال يقرأنا هنا، ومن هُم بعيدين كل البعد لكنّهم بحاجة هذَا النور 🍄.

وهنَا فايا يونان تترنّم بالحُلم:

نم ياحبيبي الان نم

عن بيتنا غاب الألم 

سترى حين تنام

حلماً حلواً يموج

ألف سربٍ من حمام

سارحاً وسط المروج 

 عندما ألمح ثغرك

فرحاً مبتسمًا

سوف أدعو يا حبيبي

ربي زده حُلمًا 🍄

نم يا حبيبي الآن نم

*الفطر المعروف بامانيت الطائر/الذباب fly amanita

تَحْسين تَجْربة المُستخدِم الطِفل لُمنتَج التَربيَة

أهلاً بي مجدداً.

غالبًا المواضيع اللي تختص بتربية الطفل تبدو مثالية و مبالغ فيها بعض الشيء، لكن عندما تجد الامتحان بين يديك ولديك ذاكرة ضحلة بالمعلومات والتجارب التربوية، فإن مايسعفك بالغالب، هوا جوابك على سؤال: كيف ربياني والدي؟ ما الصفات الجيدة التي سأنشيء أطفالي عليها؟

هل خطر في بالك يوما أن تسأل طفلك بدلاً عن معونة ذاكرتك في التربية، مالذي فعلاً يتأمله ويحتاجه منك كمقدّم لخدمة التربية؟

تخيّل أنك اشتريت منتج لايوفر لك الخدمات اللتي تحتاجها، أين سيكون مكان هكذا منتج لم تكن السبب في شراءه، لربما هديّة؟ أو تحدّث أحدهم عن مدى فعاليته وفائدته، لكن للأسف لم يناسبك أنت.

فكّر بالتربية كمنتج، والعميل هوَ طفلك، هل تربيتك قابلة للاستخدام؟ أي سهلة الفهم والتطبيق والتأثر وأيضًا توفر الاحتياجات الخاصة بطفلك فقط، أم صعبة، غريبة لاتوفر احتياجات الطفل ويصبح الطفل معها كل يوم أصعب في التعامل وغريب الأطوار أكثر؟

هُنا محادثة بسيطة توضح مبدئ مهم في قابلية الاستخدام ورضى المستخدم:

الطفل: أريد أن ألعب اليوم

مقدّم الخدمة: لا ليس اليوم

الطفل: لماذا؟

مقدّم الخدمة: مشغول جدً اليوم.

الطفل: كل يوم مشغول؟

مقدّم الخدمة: يبدوا كذلك، آسف.

الطفل: أتمنّى لو لدي عائلة أخرى تسمح لي باللعب كل يوم.

هممم، للأسف في المنتجات الحيويّة يصعب ذلك إلّا لو تدخل القانون، آوتش مؤلم السيناريو، أليس كذلك؟

إذًا كيف نحسن من تجربة هذا الطفل؟

أولاً لنستوعب معًا تعريف شيء منطقي جدًا في التصميم،

:User experience the broad term

Refers to a person’s subjective feeling and attitudes about using a particular product. It includes the functional scope, product brand, psychological expectation, and actual emotional feeling. These are an indispensable parts of the user experience

ببساطة، اذا كنت أنت من وضع التوقعات والتصميم والتنفيذ في دائرة عقلك المغلقة، النتيجة ستكون رفض المنتج ببساطة لأنه لا يلبي حتى أبسط الاحتياجات لدى المستخدم.

ورغم اختلاف جميع الثقافات في تقبّل منتج أو تقديم منتج، إلاّ أنّ دراسة المستخدم في سياق مجتمعي قبيل تنفيذ المنتج يعد من أهمّ أسباب تقبّل المنتج من عدمه. فكيف، نقدّم التربية بدون دراسة؟ هل العفوية والسليقة مدخل سليم لتنشئة أبنائك؟

العفوية في تربية الأبناء من قبل الأم بالذات أمر مطلوب ومحبّذ، فهي بكل ماهي عليه نافذة الأمان والأمل، ويصعب على كل أم أن تربي بدون حُب كمنتج فطري، على الرغم من أنّ منتج الحب هذا صعب تقديمه من فئة من الأمهات، وقد يلجئن لوسائل لاتمت للحب بصلة للتعبير عن حبّهن، والحل هو أن تتم دراسته وفهمه كمنتج منفصل عن التربية ليتم منحه وتقديمه بطريقة مناسبه وغير منوطة بالفرد الأم ومشاعرها بشكل خاص.

ومن العجيب في علاقة الآباء مع الأبناء هو كونها في خانة مبهمة لايتم تصنيفها وتعريفها لتتضح سمَات هذه العلاقة. الناتج عن تصوّر العلاقة بطريقة لافكريّة ولاعلميّة هو تصرف غير مدروس كونه لحظي من الوالدين لكل تصرّف يصدر من الطفل. هُنا يقع الطفل في علاقة متذبذبة عن ماهيّة السلوك المتوقع منه.

بعيدًا عن تعقيدات التربية والتي بالمناسبة تثير الكثير من التساؤلات في علم الإنسان، وستثير غريزتكم للقراءة أكثر لفهم نفسك أولاً كمربي قبل فهم طفلك، هناك قاعدة في منتهى البساطة، وهي:

عامل طفلك كمعاملتك لصديقك الذي تعترف بمشاعره، ،تشاركه إياها، لا تأمره طوال اليوم وتتوقع منه الطاعة في كل مرة. اعطه مساحة للتعبير عن مشاعرة أيًا كانت. وعلى سبيل مشاركة التجارب التربوية ( فعلاً تجارب فلا شيء ثابت ودائمًا صواب في موضوع التربية غير أنك تحاول جاهدًا في كل يوم). تجربتي كانت مع التعليم عن بعد، التي كشفت لي جوانب من نفسي لم أعلمها من قبل. كان الضغط الذي ولّد انفجارات من الانهيارات وشلالات من الدموع. لقد كانت الفترة المناسبة لحقل التجارب التربوية خاصتي. لأذكر مثال بسيط:

إلياس: ليه أنا كل يوم عندي مدرسة، ٦ ساعات، مرررررة كثير باموت عشان تعبتني المدرسة، تبغيني أموت؟

ماما ( وهي تجاوب على الضغط الذي في داخلها وليس على طفلها ذو الستة سنوات): لا بسم الله عليك ما حتموت كل الناس وأصحابك بيدرسوا، يلا غسل أسنانك وألبس ولاتاكل قدام الكاميرا، خلص أكلك الان كله. (والتفت لأخته الصغرى وأعطي تعلمات أخرى، وطفلي الصغير يشهق ويستنجد آملاً أن يتعلّق على كتفي ليشهد هذه التهويدة الصباحية.).

إلياس: هاااااا هممممم هووووووو هاااااااااا ( ترنيمات دراغون بول) take that, that what you deserve, I’m not listening

ماما: طييييب كذا تتكلم مع ماما؟ طيب نهاية الاسبوع مايكون فيه ايباد ( وهذا وتر حساس لأنها الساعتين الوحيدة التي سيلعب فيها العاب الفيديو)

إلياس: ( بركان من الغضب) واختفت غرفته تحت دمار من بقايا الأثاث.

بعد اندهاشي من هذا المستخدم الذي تحوّل لدراغون بول، تصادقت مع audible ليقرأ لي كتّاب العالم في الوقت الذي بات حملي لشيء غير طفلي الرضيع، يبدوا حالمًا جدًا. وكانت بداية التجارب مع كتاب : how to talk so little kids will listen

يحتاج هذا الكتاب تدوينة منفردة لشرح التجارب المذكورة، لكن أنصح وبشدة بسماعه أو قراءته.

السيناريو في الأعلى يتكرر كل يوم من الأسبوع الأول في التعليم عن بعد، وتعود نفس التساؤلات في الليل قبل النوم. بعد قراءة ومواجهة للواقع وتقبّل لتعثري والضغط منقطع النظير الذي ألمّ بي، صافحت نفسي وتكثّفت أفكار التربية وملخصاتي لها في بقايا الألعاب التي ألملمها وأنا أفتقد أصواتهم وأسمع صوتي المهيمن فوق أصواتهم الصغيرة. كل ليلة كنت ارتكز على مجموعة من الكتب أودِع خلايا عقلي المتبقية معها. وفي أحد الصباحات، المعنوَنَة بتحسين تجربة أطفالي لواحد من منتجاتي فادحة الأخطاء والعيوب، كان هذا السيناريو:

إلياس: أكره المدرسة، كل يوم ٦ ساعات، ما حشغّل الكاميرا، وماحتكلم.

ماما (الإصدار المحسّن): آآه، لما كنت سنة أولى كنت أكره المدرسة، كنت أقوم الصباح وأقول لستو أنا تعبانة ما أبغا أروح، وما كان خالو يروح المدرسة معاية، كان يروح معاية في الروضة، وعشان أنا أكبر منه رحت مدرسة الكبار وهوا لا. مررررررررة كنت زعلانة.

إلياس: انتِ كنتِ تبغي your brother معاك؟ كنتِ خايفة؟

بشرى ( فعلاً بشرى مو الأم): كنت أخاف إنه أنسى شي، أو تزعل المدرّسة مني، أو ماأعرف أرجع البيت.

إلياس: ماما كيف تخافي، عادي جدو يجيبك. بس قوليله.

بشرى: صح، كيف عرفت، قلت له يجيبني وصار يجيبني حتى صرت ما أخاف.

إلياس: كم ساعة ياماما تدرسي؟

بشرى: المفروض ٨ ساعات، بس عشان معايج بيبي ما أقدر أذاكر كثير، فلما تناموا أرجع أذاكر.

إلياس: what 8 hours? You’re kidding me.

بشرى: شفت كيف، مو أحسن ٥ ساعات بس؟

إلياس: أنا لمتى أروح المدرسة.

بشرى: هوّا لو سويت زي ماما وبابا حتجلس في المدرسة كمان ٢٠ سنة @ـ@

إلياس: +ـ+ اوووه ويضحك

يضحك >> في سيناريوهات أخرى كان يتحوّل لشئ آخر لأنّ شيء بسيط منوط بالتربية هوَ الحوار ومشاركة الأحاسيس والقصص بصدق بدون تطبيع لمشاعرهم، لا عادي، لا لا تخاف، لا ما حيصير شي، خائف من/يكره المدرسة؟ لماذا لاتضع نفسك مكانه وتشاركه مشاعرك بدون حتى الحاجة لأن تكون بطلاً وتقول أنك تغلبت عليها، لأنك القدوة أمامه، إذا نحن نخاف، والآن نحن أمامهم، فكل شيء سيكون بخير ( هذه النتيجة في عقل الطفل وليست شيء عليك قوله له بدون حوار).

أخيرًا.. من حق كل طفل أهداك وجوده وكيانه وغيّر حياتك، أن يحصل على منتج تربوي مخصوص له، مصنوع بحب رغم عيوبه، محسّن كل يوم، لأنه يستحق أحسن مالديك اليوم وفي هذه اللحظة.

رحلتي للأمومة

mommy

منذ أول يوم سمعت فيها نبض هذا الكائن الصغير بداخلي، وأنا في حالة من الدهشة التي منعتني حتّى عن محاولة استشعاره بداخلي دون الحاجة لإستخدام الموجات فوق صوتية.

كل محاولاتي بأن أُصدّق ذلك كانت شبه فاشلة، إلى اليوم الذي شعرت بحركته، كان يركل ويتحرك، صُدمت في البداية وكان شعورًا مُخيفًا سرعان ماتحوّل لشعور لا أستطيع أن أُشبهه بشيء آخر من جماله، أحببت الشعور به، أصبحتُ قادرة على معرفة أوقات نومه ويقظته، وكنتُ أحدثه كل مره يؤلمني فيها “نونتي توقّف”.

كنتُ أكتب له قبل زواجنا وكأنّه خُلق، وكان وجوده بداخلي ليُعلمني أنّه قريبًا سيقرَأ كُل ماكتبته له، جعلني شاكرة جدًا لمن خلق كلينا. لم أشعر قبلاً بروعة كوني امرأة كما شعرت وهوَ بداخلي يكبر شيئًا فشيئًا.

اقترب موعد الولادة وكنت أتمنّى أن أضعه في كل لحظة امشي فيها، فلم أعد أحتمل أنفاسي اللاهثة حتّى وأنا جالسة، ولا الحرقان الذي يشتعل بصدري حالما أضع رأسي لأنام لأبقى جالسة عوضًا عن ذلك أبكي أو أتقيء أو أبحث عن أي شيء يُطفيء هذا الحريق الذي يخبرني أنّ معدتي لم تعد موجودة في خارطة جسدي وكل شيء سيبقى عالقًا في صدري لمدة تزيد عن ٢٤ ساعة.

لم تكن رحلة الحمل شيّقة وماتعة، بل كانت فحص دقيق لجسدي ونفسيتي، فشلت في كلاهما، فظهري كان مكسورًا تمامًا وحوضي يتحرك ليناسب طفلي ويدمرني في نفس الوقت، لازلت أذكر ألمه، وعدد العلاجات التي استخدمتها لأدعم ظهري وحوضي لتبقى أعصابي على الأقل مكانها طالما لازال حوضي يتحرك.

كان يومًا عاديًا زرنا فيه جدة زوجي والكل هناك كان يخبرني أنني “مُنتهية” وكنت كذلك، ودعوت الله أن ألد اليوم قبل الغد. عدنا للمنزل وكنت أستعد للنوم وشعرت بآلام كانت قد أخبرتني الدكتورة أنها ستكون براكستون هيكس وهي آلام شبيهة بآلام الطلق ليستعد جسدي للطلق والولادة، وأخبرتني إن شعرت بها أتناول “بنادول” وأخلد للنوم، وفعلت ولأنّها أوّل مرّه أشعر بهكذا آلام لم أتوقع أنّها ستكون الولادة فعلاً. وضعت رأسي على السرير وسرعان ماقمت عنه وركعت منحنية على الأرض أعتصر من الألم الذي كان يكبلني لدقية ويذهب وخلال دقائق يهاجمني ويعتصرني، كان أغرب ألم قد شعرت به يومًا، لايستطيع شيء تهدئته وليس هناك مكان أستطيع أن أمسكه وأضغط عليه ليخفف تلك الآلام، كُنت أشعر أنّي في مسرح جريمة ويتم تعذيبي على مدار الساعة كل دقيقة وكل ثانية، قرر زوجي أنّه علينا أن نذهب للمستشفى وحمل حقيبتي وطفلي والكاميرا وكل شيء استعدادًا لأن تكون تلك الليللة ليلة ولادتي الموعودة، كان ذلك قبل يوم ولادتي المتوقّع بقرابة أسبوع.

أتذكر وضعي في السيارة حتّى وصلنا المستشفى، أرتاح دقائق وفجأة أصرخ ويسرع زوجي أكثر وتلتقط لنا ساهر صورًا شارعًا تلو الآخر، وصلنا وأخبروني أنّ علامات الولادة ظهرت وقامو بوضع جهاز مراقبة قوّة الطلق، ومراقبة لنبضات قلب الجنين، كان قلبه الصغير ينبض بسرعة، وكنت أنا على نفس الحال، دقائق أموت فيها ألمًا والأخرى أتنفس فيها، تسارع المخاض وغضبت الدكتورة من الممرضة التي عاينتني أنها لم ترسلني لغرفة الولادة، دخلت غرفة الولادة وأخذت الكمام كمخدر أوّلي أردت تجربته قبل إبرة الظهر التي وضعتها خيارًا واستبعدتها حتّى أجرّب الطرق الأخرى المتاحة للتخدير، كنت أغيب عن الوعي تمامًا وأستنشقه بقوّه كلّما أخبرني زوجي أنّ الطلق قادم (من مراقبته لجهاز قياس قوّة الطلق).

حصلت أحداث كثيرة لست واثقة من طرحها هُنا لا للأمّهات الجدد ولا لمن خاض هذه التجربة، مع الكمّ الهائل من المعلومات التي انهالت عليّ عن الولادة وكل ماقرأته بنفسي إلاّ أنّ وضعي يوم الولادة وكل ماحدث لي لم يكن متوقّع أبدًا، أذكر أنّ أمّي اتصلت وأنا في الدقيقة التي تسبق الطلق القادم بعد ثواني، بكيت وقلت لها:”ليه ماقلتيلي ياأمّى” بكت بحرقة، وأخبرتها أن لا تأتي فكل ماكنت أفكّر فيه هوَ كيف تحمّلت كل هذه الآلام، لم أرغب بأن تتعذّب برؤيتي أتألم هكذا وأعيد لها آلام ٦ أطفال وضعتهم بلا مخدر حتّى، لكنها سارعت بالقدوم ولم يُسمح لها بالدخول فقد دخلتُ غرفة الولادة والوضع أصبح جديًا أكثر.

أخذت إبرة الظهر فكانت المُفاجئة بعد حوالي مايقارب ١٠ ساعات من الألم الذي لم يفد معه المخدر الكمام بعد ازدياد قوّته، تنفست الصعداء ولم أعد أشعر بأي شيء. قمت بترطيب يدي ووجهي وترتيب شكلي استعدادًا للقاء أميري الصغير :”). الحمدلله على نعمة إبرة الظهر، الحمدلله على نعمة العلم طالما كان رحيمًا بالأمهات.

فعلتها، وكانت لحظة لاتُنسى، صوت طفلي الصغير الذي تعب من السباحة ٩ أشهر في ظلماتي. الحمدلله الحمدلله الحمدلله. بعد الولادة بالضبط، نسيت تمامًا كل ماحدث لي، وكأني ولدتُ معه من جديد، لا ألم في الظهر، ولاحموضة ولاغثيان ولاحرقان، ياااه الحمدلله.

خلال الأربعين دخلت في Baby Blues ، وهو اكتئاب مابعد الولادة ولمدة قصيرة، كنتُ أبكي فقط وأبذل مجهود كبير في البكاء والبكاء فقط، حتّى وأهلي حولي والكل بخير وطفلي بصحته، إلاّ أنّي أُصبح كشلال في ظرف ثانية واحدة، أنظر لطفلي وأخاف حدّ الموت عليه من أي شيء، أخاف من المسؤولية التي أثقلتني وهوَ لم يراني بعد.

الرضاعة الطبيعية مسؤولية كبيرة جدًا، خاصة في الشهرين الأولى ستنسين النوم، وسيصبح طفلك المُنبه على مدار الساعة تحمليه كل ساعة ترضعيه وترمي نفسك حتى السويعة القادمة لندائه البُكائي. قراءة المزيد…

عَن الحُلم الأمريكي 

 

صورة

 

“لم يصبح الحلم الأمريكي، الذي جذب عشرات الملايين من الأمم إلى سواحلنا خلال القرن الماضي، حلم تحقيق الرخاء المادي، على الرغم من أن ذلك كان في الاعتبار من دون شك. لقد أصبح حلم القدرة على وصول الرجل والمرأة إلى أعلى درجة من التطور دون التقيد بالعوائق التي أقامتها الحضارات القديمة أو الأوساط الاجتماعية التي ظهرت لصالح الطبقات بدلا من أن تكون لصالح الإنسان البسيط الذي ينتمى لأى وكل الطبقات” 

كتاب الملحمة الأمريكية للمؤرخ والكاتب جيمس تراسلو ادامز

 

قبل حوالي العشر سنوات وأنا أعيش الحلم الأمريكي، مع كل فلم أمريكي، مع كل اختراع ومنتج نستهلكه، يظهر لي الحلم الأمريكي جلّيًا عن هذه البلاد التي هاجر لها الملايين. 

كنت أستيقظ مبكرًا في الصباح فقط كي أستلهم يوم كامل من الحلم بعد مشاهدة فيلم يتناول قصصهم وحياتهم. أحلم ببيت الشجرة وبذلك القبو أسفل منزلي ينمّي ابداعاتي الصغيرة، وأفكر كثيرًا بمبدأ الاستقلال الذي يفصلني قلبًا وقالبًا، مكانًا وزمانًا عن عائلتي لأُمارس حياتي بالطريقة التي أخطط لها دون تدخل من أحد.

كل ذلك كان مجرد فقاعات من الحوارات تدور داخل رأسي الذي تشبث بعظمة هذ الحلم، ومبدأه ومثاليته، كيف له أن يجعلني فردًا كالسلاح تمامًا، لمستوى القوّة والقدرة والحريّة التي بإمكاني أن أُمتّع بها كل عقلي وجسدي. 

لأعود لمن أنا في الحقيقة، فأنا فتَاة سعودية، وذلك يعني معرفتي لمعنى القيود الحضارية والثقافية والدينية تمامًا أكثر من أي فتاة أخرى على هذه الأرض، لذلك وجود الصراع مابيني وبين نفسي شبه دائم، ولأكون صادقة تغيّر ذلك كثيرًا في السنوات الأخيرة، من الانفتاح الذي نفخ روحه في أجساد الآباء ليصبحو أكثر انفتاحًا وتقبلاً لمعطيات جديدة لعصر متطور. ذلك الصراع الذي تعيشه أي شابه سعودية عاشت طفولتها ومراهقتها بين أسوار المجتمع المتمثلة بالعادات والتقاليد التي تُلزم الفتاة بنمط معيّن للعيش، وكيفية مدروسة لأماكن تحركها ونشاطها، وصورة واضحة لما يجب أن تكون عليه في المستقبل دون أدنَى تفكير بما تريده هيَ وبما تحلم به. 

إنّ ماحدث لي لأكتب هذه التدوينة عن الحلم الأمريكي هو سفري لتلك البلاد وكان ذلك حلمًا يتحقق، بالأخص أنّه كان قبل تقديمي على أوراق الابتعاث وذهابي هناك كمبتعثة وليس كزائرة فقط. 

ذهبت مع زوجي بالتأكيد ولا أعلم تمامًا الفرق بين أن أكون معه وبدونه، خاصة أنّ له تجربه غنيّة في أمريكا بعكسي، لذلك كان النقاش يحتد بيني وبينه كثيرًا ولم أقتنع تمامًا بوصفه للتجربة الأمريكية، ولم تتبدد صورة الحلم الأمريكي من عقلي أبدًا. 

زيارتي الأولى في شهر العسل والأخرى كانت التجربة الفعلية للعيش، والصورة الفعلية للحلم. لن أتحدث عن زيارتي في شهر العسل، فما عساها أن تكون، غير أماكن جميلة وفنادق مُذهلة، ومطاعم، وأماكن ترفيهية، سأتحدث عن التجربة الأخرى التي جعلتني أواجه الحلم بالواقع. 

أخيرًا واجهت حقيقة المثالية المطلقة للتجربة الأمريكية بشكل دقيق، بدئًا بأسلوب العيش، انتهاءً بأسباب الموت.

إنّ مايجعل آبائنا هُنا على قيد الأمل والحيَاة هوَ أننا نتنفس، وأننا حولهم، وأنّهم يبنون لنا بأيديهم مايبقى لنا سنينًا بعدهم، ومايقتل الآباء في أمريكا هوَ أنّهم ينفصلون تمامًا عن ابنائهم، وتقف تطلعاتهم واجتهاداتهم في حدود تطوير الذات فقط، وتركيزهم على هذه الذات شيء جيد، لكن تخيّل أن تبقى هذه الذات وحدها هيَ مايؤرق نومك طوال عمرك حتى مماتك، ولايشغلك غيرها ولاتتعدّى أهدافها ومتعها، تخيّل كميّة الروتين والتبلّد الذي يعود لمحور الذات نفسه كل مرّة فكّرت فيها بفعل شيء، أو القيام بتغيير ما، إنّ أوّل مايُلازم هؤلاء من الرغبات، هو الرغبة في إنهَاء حياتهم بأنفسهم، الإنتحار والتخلّص من هذه الذات التي أصبحت لاتُطاق في بُعد كل سبب مُحفّز للعيش غير الرغبات الشخصيّة.

إنّ الحلم الأمريكي مهزلة تعرف حقيقتها ما إن تعبر ٣ شوارع  مختلفة من المدينة نفسها، نعم إنّها مهزلة، ففي شوارع العاصمة واشنطن وأنا أمشي على أرصفتها التي تبدو ككنزة صوفيّة مُحاكة بصبر، كُنت سأضع قدمي على متشرّد ينام أرصفتها، ويتغطّى بغطاء أشك أنّه قطعة من الرصيف، حتى لايلحظه أحد، والعجيب في الشارع الآخر طابور لحفل موسيقي كلاسيكي يقف فيه نساء ورجال، يلبسون مايجعل عينيك تتسع أكثر لترَى روعة تفاصيل هندامهم، تلكم النساء اللاتي يرتدين معاطف الفرو، والكعوب الحمراء التي تلمع لتُشير للرفاهية أولاّ والجودة ثانيًا المتمثلّة بتسارع خطواتهنّ ليصلن لطابور الحفل بكل بساطة وسلاسة دون أن يشعرن بأيدي المتشردين المتجمدة من البرد فوق الأرصفة. 

وجود النقيضين في الشارع نفسه ليس ماأذهلني، ولكن وجودهم في عاصمة الولايات المتحدة، وجودهم في دولة ابتدعت الحلم الأمريكي والمساواة في الثروات والديمقراطية، شيء هزلي جدًا. أن ترَى مُدّعين القضاء على الفقر هُم أنفسهم من يبذل كُل شيء للطبقة المخملية ليزداد بؤس الطبقة المُعدَمة، وفي نهاية الأمر يعود الفضل أولاً وأخيرًا لأمريكا في كل شيء لأنها المُبادرة، ولأنّ مبادرتها نشأت عن تجربة فعلية داخلية فشلت أو بالأحرى لم تكترث لأمرها يومًا.

سخر من الحلم الأمريكي كتّاب كثر مثل جون شتاينبيك في كتابه “من الفئران والرجال”، والكاتب فرنسيس سكوت الذي كتب “غاتسبي العظيم” وقامت السينما بعرض عدد من الأفلام لنفس الكتاب، وكتب عديدة أخرى تتحدث بعمق عن تبدد هذا الحلم، وكونه مرتبط بالإغتراب الشخصي، والكثير من اللاأخلاقيات.

من الصعب أن أُقارن طريقة العيش في الولايات المتحدة بالعيش في السعودية، ولكنّي أُريد أن أعترف بالقناعات التي تغيّرت لدّي بعد زيارتها. كُنت مؤمنة أنّ بلادي تتدهوّر، والآن أعتقد أنّها تُعتبر من البلاد الناجية للآن على الأقل من ناحية إمكانية العيش فيها برخاء وذلك مايُفسّر عيش الكثير من الجنسيات الأُخرَى هُنا، حتّى وإن كان مستوى أحدهم التعليمي صفر، سيستطيع العيش، أمّا هُناك فالمُتعلم الدارس قد لايجد مايجده العامل الهندي في بلادنا هُنا. كُل مايتمسك به هو الإلتزام بالقوانين حتّى لايكلّف نفسه بالمزيد، ويضمن حقّه وقت الحاجه، وهذَا مايجعله إنسانًا رغم بؤس عيشه، أنّ له حقوق وعليه واجبات لايستطيع التآخر في آدائها، بعكس الوافدين لدينا ومايحصل من استغلالهم من قبل الكُفلاء أو العكس استغلالهم للدولة نفسها وماتوفره لهم بطريقة خاطئة ناتجة عن غياب حقوقهم بالتالي عدم الأمانة في آداء واجباتهم من جهتهم. 

يقول إيتالو كالفينو: المُدن كالأحلام، ومايبهرك في مدينة ما ليس روائعها السبع، أو السبع والسبعين، بل الجواب الذي تعطيه عن أحد أسئلتك. أشعر بالسعادة لمُجرّد كمّ الأجوبة التي حصلت عليها، أكثر بكثير من سعادتي بزيارة لديزني لاند، ونيويورك وواشنطن وماتحويه كل مدينة من معالم وجمَال. رغم كل شيء عيش تجربة مُختلفة كليًا عن ماتعيشه وماتدين به وماتلتزم به من عادات وتقاليد شيء يستحق التجربة، فتصوّري السطحيّ  تلاشَى تمامًا عن الحُلم الأمريكي، وبَاتت التجربة الأمريكيّة الخَاصّة التي عشتها، ذكريات فيها الكثير من الدروس التي عقلتها بجميع حواسي ومداركي. شُكرًا لله على كُل شيء ثُمّ شُكرًا لزوجي وائل على الأخذ بيدي لعيش هذه التجربة الغنيّة جدًا بما سنبقَى نذكره وتذكره بنا المُدن التي زُرناها هُناك معًا.

 

 

 

في معنى أن تنقل منزلاً جديدًا

صورة

أن تنقل منزلاً جديدًا يعني أن تترك خلفك منزلاً قديمًا بِك.

أن تترك منزلاً قديمًا بعمرك وأكثر، تترك أجزاء من روحك، وذكرياتك بفصولها كلّها، طفولتك، صوتك المبحوح المجروح من البكاء(لسنوات) عندما يشرب أحدهم البيبسي خاصتك المدسوس في الثلاجة بدهاء.

أن تنقل منزلاً جديدًا، هوَ أن تفقد هويّة روحيّة التصقت بِك منذ ولادتك.

الأربعَاء ٢٨/ ٧ يوم تاريخي ياأصدقاء، آخر مسَاء لنَا في بيتنا الصغير.. أوضب أشيائي وحقائبي، أُمسك بصورنا بين جدرانه عُمري وذكرياتي، وروحي، وهوّيتي، وجيراني، وشوارع بيتي للأبد.

بيتي.. قد كَان فيك مَاكان، قد كُنت فيك ماكُنت، وتستمر الحيَاة وسيسكنك غيرنا وتمحونَا من ذاكرة جدرانك، لتحفظ ذكرياتهم، ستنسانا رُبما وستشبه آخرين غيرنا، ستُضرب بألوان أُخرَى، ستموت مثلنا تمامًا، وتحيا من جديد كما سنفعل.

اللهمّ بارِك لنا جديدنا، وأجبر قلوبنا على قديمنا.

*الصورة لمسجدنا بجانب روضتي

أشيَاء أود فعلها قبل أن أموت

photo

اليوم هوَ يومَك، افعل فيه كُل شيء، عبّر فيه عن كُل شيء، أغدق من حولك بكُل المشاعر، لاتجرح، لاتُسيء، لاتغضب، الأمسَ لانملُكه لأنّه مضَي، واليوم نحنُ مُلاّكه لأنّه يحصل في الثواني الحاليّة من عُمرنا، افعل شيئًا تموت وأنت فخور بِه.

إن أحببت فكُن كامِل المحبّة والوفَاء لمن يُبادلك ذلك حتّى تموت، وإن ارتقيت بالعلم والدرجات، فكُن بكامل التواضع لأنّ كُل ذلك من الله، وإن جُرحت فكُن موقنًا أنّ ذلك ماتحتاجه لتعيش بقوّة في الأيّام القادمة، وإن تُرِكت فكُن واثقًا أنّ مُفاجئات الله لن تتركُك في دربك وأنتَ مؤمن بِه، وسترَى جمَال القدَر برِضَاك.

الموت هوَ الحيَاة، لذلك فكّر بجعل حيَاتك تنتهي بأُمنيات صغيرة تكون هي ذاتها من تجلُب السعادة المؤقتة لقلبك حتى تلتقي بالحيَاة الكُبرَى بعد الموت.

لاأعلَم متَى وكيف وأين سأموت، لكنّي أعلم أنّي سأموت عاجلاً أم آجلاً، والإستعداد لذلك كفيل بحصر السعادة في زُجاجة أتنفسها كُل يوم لي ولمن حولي.

إنّ المريض وحده الذي يرى تلك السعادة حتّى في أشد الأمور سوداويّة، لأنّه تيقن من الرحيل، والذي يجلب الكآبة لي أنّنا نعيش وكأننا لن نموت، ونؤجل سعادتنا لأجلٍ غير مُسمّى.

كُلما أحزنتني الحيَاة تذكرت الموت، كيف لي أن أبكي ٤ ليال لأمرٍ دنيوي وأتنَاسى أنّي قد أموت وأنَا بهذه الكآبة.

الذي  يصدُم إنسَانيتُنا هوَ الكذب، كمَا أنّ الحيَاة في مُجملها كذبة قد تعيشها بصدق لأجل نفسك وقد تعيشها بكذبة أيضًا. رغم أنّ الأغلبيّة تعيش على الكذب، إلاّ أنّهم يعلمون مقدار السَعادة التي حرموا أنفسهم منها حينما يكونوا صادقين بالأخص مع من يُحبّون، حينمَا تسمو أرواحهم لسمَاء صافيَة قد تتعكّر بأي شيء لكنّ القلوب نفسها لن تفعَل لأنها موحدّة بين المُحبين الذين تقَاسمو الحيَاة بحلوها ومرّها وأقسموا على المُضي للأمَام لجلب موارد السعادة  لسمائهم الخاصّة.

قبَل أن أموت أُريد أن أفعل أشيَاء تجعَل حيَاتي متموجة على موجات تختلف في ذبذباتها وأشكالها، لكنّها تصُب في حُنجرَة واحدة تُريد أن تُجرب عدد من الأصوات والألحان.

قبل أن أموت أُريد أن أكون شاكِرة أكثر، وراضية أكثر، ومؤمنة أكثر، وقويّة في الحق أكثر.

قراءة المزيد…

هُنَاك خَريف

صورَة التقطتها عام ٢٠٠٩

سنمحو الزّمان
وننسى المكان
هناك ونقسم ألاّ نعود
إلى أمسنا المنطوي

نازك الملائكة

———–

أكتبُ  اليوم لأنفصم عن إنهزاماتي الصغيرة وأُبعثرها لأنّها بدأت تتسلل لقلبي بيد من الظلام.

يحدث أن أبتعد، أو أبحث عن مخرج أتنفس فيه هموم الدُنيا، لكنّ قلبي لايبتعد أبدًا أبدًا

كَان لي صديقة قد كتبتُ لها هُنا يومًا والآن أكتُب لها أيضًا ليس لأسترجعها بقدر رغبتي أن تعرفني وتفهمني أخيرًا بعد اعتقادي أنّها وحدها من كانت تفهمني، غبت وغابت، التقينا وكانت الكلمات قليلة لكنّها في قلبي قِطع موسيقيّة مُنمّقة العزف لا تنتهي.

كُنتِ يا صديقتي التاج المثالي لكُل إنهزاماتي، كُنتِ الأولى التي جعلتني أشعر باتسَاع بؤبؤ عيني من الدهشة، وربما ذلك أيقظني بعدما آلمني اتساعها المطعون بقوّة نظري التي لم تُفدني بأن أرَى الأصدقَاء كمَا يجب.

ليس للصداقة عقود ولا صكوك إنّها قلوبٌ تلتقي بالخير ومن المفترض ألاّ  تبتعد حتى لو ابتعد كُل شيء من الصورة ( المُهاتفة، المُقابلة، .. الخ).

تتساقط أوراق الشجر في الخريف لتصنع سجّادة جميلة على الأرض، من المُستحيل أن نُرجعها لأغصانها ونُلصقها فيها، لن تعود كما كانت، ولو حاولنا لجعلنا الشجرة تمثالاً يُصدر حثيثًا ميتًّا.

كُنتُ أحسِبُ أنّ فصول الصداقة ثلاثة بدون خريف، لم أعلم أنّ الخريف فصلٌ من الفصول، ولو علمت لما كانت ساعتي البيولوجيّة مصدومةً من وجودِ هذا الفصلِ بين الأصدقاء.

قراءة المزيد…

صوَت الطفُولَة

 اللغة العربية للإستخدام اليومي  ( اليوم التاسع )

وأنَا في طريقي لكليتي، كانت هُناك طفلة أمام الحضانة مع إفطارها تُردد:

الشمس تُحب القمر
وعندما أحبّته أنارته

الشمس سعيدَة بهذَا الحُب
عندما تنام تُحيي حبّها القمري

القمر يضيء الليل بخجل واشتياق

أمّا أنَا

فالطعام حُبّى الأبدي

لكنّ طعامي يُحب غيري :”(

وضعت المُربّى على الساندويتش
فإحمّر خجلاً وتغيّر شكله للأجمَل
والتصق به وتركني
تركني لوحدي

عندما سمعتها تعجّبت من ربطها لكل شيء حولها بالحب.

اقتربت منها أكثر، أخبرتها أنّ صوتها جميل وفيه من حُب الحياة الكثير.

قالت: هل تحبني الحياَة؟

قلت: نعم والدليل أنّ صوتك ينبض بالحيَاة وجمَالها
ولاشيء  يصبح جميلًا  إلاّ عندما يجتمع مع ضدّه

ضحكت ببراءة والتهمَت شطيرة المربّى، ودخلت الحضانة.

كُنتُ أنَا الوحيدَة وقتها

لكن لايهم

الأهم جمال روحي ذلك الصبَاح :”)

شي مِشْوَار

 اللغة العربية للإستخدام اليومي  ( اليوم الثامن )

كنت ماشيه شي يوم، والرياح تدوزن أوتارا
شفت سياج في شي مطرح وغفيت عليه للصبح
يالله شو هالمصيبة، أكيد هلأ اسمي في كل المخافر
يالله شو هالمصيبة
صرت بردد الأدعية متل مختَار الحي وسط  النهار
وصلت البيت، فتحت الباب وعيوني مغمضة وجسمي بيلّحف نفسه من كل ناحيية

لأيتون نايمين :/

ضلّيت غنّي من الفرحة
وصحي خييّ الزغير
ونيمتو عَ زندي
إلتلوّ بكرة توديني مِشوار
ألّي أكتبيلي معروض

ألتلو أوم من فوَئي، مابِتستاهل شي من وئتي

فَل من مطرحي، وبئيت حاطة إيديّ عَ خدّي
رنّ الموبايل، إجتني رسالة من وش الصبح

طلع خيّي :/

كاتب: لاتزعلي نعسَان وتعبَان جيت لعندك تانسهر وماكان منّك إلاّ تطلبيني مشوَار
شو فيه مشوَار الحكي؟

مابيكفي؟

رسلتله: ياخييّ كبرنَا وصَار الحكي بَلا طعمة
لو رحنا المشوار واتفتلنا بالنهار
كنت بتشوف هالحكيات شو حلوين لمّا نحكي ع  شي شط بيرمي دموعنا لَبعيد.

أنَا مابدي كترة حكَي أد مابَدّي شوف هالنّآس والطرئات والطبيعة كيف اتغيرّت واتغيرنَا معا.

سَنَة التُفّاح

 اللغة العربية للإستخدام اليومي  ( اليوم السابع )

كنتُ أسارع الخطوات على الدرج، وانجرحت قدمي من إبرة مُلقاة في طريقي، أكملت الطريق، دخلت غرفتي وسقط جهازي المحمول بقوّة على الأرض، أغلقت الغرفة، رفعت جهازي، حمدت الله لم يحدث له شيء وتذكرت تلك السنة التي اشتريتها فيه .
أذكر جيدًا أننّي أشتريته لأنّني قررت أن أقتنيه وقتها من شدّة كُرهي لجهازي ثقيل الوزن والسرعة ، عندما أخبرتُ صديقتي ريمَا ( غمّد إلهي روحها الجنّة ) بذلك، كُنت وهيَ طوال الليل نتحدّث عن البرامج والبدائل وانتقلنا من عالم لآخر ونقلتني من حالة لأخرى كنا نتوقف عن الكلام كلّما هاجمها الألم من حيث لاتدري  تشعر وقتها بالوحدة ولاتطلب منّي شيئًا إلاّ أن
أبقى متصلة معها ولو من خلف الشاشة أنتظرها تصحو وتخبرني أنّ الكحة التي خنقت صوتها خفّت ولو قليلاً.

أُخبرها بكميّة الحليب والماء الذي شربه جهازي في أيّامه الأولى لتخبرني بأنّ لوحة مفاتيحها لازالت تُعاني من البيبسي ><

أعيش هذه الذكريات كُلما أُصيب هذَا الابن البار (الماكبوك) بكارثة.

تجربَة إستثنائية كانت في عام ٢٠١٠ في مثل هذا الشهر عندمَا اقتحمت حديقة التفّاح  واقتنيت الماكبوك الذّي أغلق كُل النوافذ وفتح كُل الأبواب لحدائق لطَالما تمنّيت بساطتها، عشت هذه التجربَة اليوم، وسأتذكرها مع كُل آبريل مع كُل سقطة آبليّة.